حادثة الافك وهي تلك الحادثة التي افتعلها المنافقون في عهد نبينا محمد ﷺ ،ولكن حادثة الافك كُذبت وأثبت عدم صحتها بآيات من سورة النور بأمر من الله عز وجل، وفيها اتهم المنافقون كلا من السيدة عائشة رضي الله عنها بنت أبي بكر والصحابي صفوان بن المعطل بارتكاب الفاحشة.
ولكن جاءت الآيات من عند الله عز وجل، آيات من القرآن الكريم تؤكد ببراءتها من حاثة الافك، وتنفي ما أشاع المنافقون، ولذلك تم تطبيق حد وشرع الله، وهو القذف بمن أطلقوا تلك الافتراءات.
وسماها بذلك الاسم المختصون بدراسة كل ما يخص السيرة النبوية.
ومعنى كلمة الافك هو الكذب، ولقد قال الله سبحانه وتعالى في ذلك الأمر، (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ).
إذ أراد مفتعلي قصة الافك جعل الباطل حقّاً، وتغيير وقلب الحقائق بما يجعلها يتناسب مع هواه وما أراده، إذ أنه في تلك الحادثة أراد عبد الله بن أبي سلول أن يختلق ويغير حقيقة سيرة عائشة زوجة رسول الله الطاهرة النقية، ويغيرها إلى كل ما هو باطل وممتلئ بالفواحش التي لا يحبها ولا يرضاها الله عز وجل.
ما هي حادثة الافك ؟
سنحاول في تلك الفقرات التحدث عن حادثة الافك كاملة.
لقد خرجت السيدة عائشة مع الجيش الإسلامي في غزوة من غزوات الرسول وهي غزوة بني المصطلق.
إذ أنه قد بلغ رسول الله ﷺ في شهر شعبان في السنة السادسة بعد هجرة الرسول إلى المدينة، أنّ الحارث بن أبي ضرار يقوم بتجهيز وإعداد جيشه من أجل أن يقوم بغزو المدينة المنورة.
لذلك خرج رسول الله إلى بني المصطلق ليقوم بالمحاربة، ومواجهة الجيشان مع بعضهما في حرب وغزوة لم تكن بالكبيرة أبدا.
ولقد انتهت غزوة بني المصطلق، بهزيمة الكفار وتراجعهم وانتصار جيش المسلمين بقيادة رسول الله .
وتبعا لما كانت ترويه السيدة عائشة بنت أبي بكر وزوجة رسول الله ﷺ الله أن الرسول كان يجري قرعة بين كل من زوجاته أثناء خروجه في إحدى الغزوات.
ونتيجة تلك القرعة من كان يخرج اسمها كان يأخذها الرسول معه في تلك الغزوة.
وفي تلك المرة أثناء ذهاب الرسول لغزوة بني المصطلق، أجرى الرسول القرعة ولكن قد خرج اسم السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
وكان قبل الغزوة قد أنزل الله سبحانه وتعالى آياته على نبيه وأمره بفرض الحجاب، وخرجت السيدة عائشة مع رسول الله في هودج إلى غزوة بني المصطلق.
حمل أيضا: تحميل سورة البقرة.
ضياع عقد السيدة عائشة وبحثها عنه
انتهت غزوة بني المصطلق بانتصار جيش المسلمين وتراجع الكفار، لذلك أراد رسول الله العودة إلى المدينة المنورة مرة أخرى.
وفي أثناء عودتهم، وفي وقت ما كانوا يستريحون من عناء الطريق، أضاعت السيدة عائشة العقد الخاص بها ولم تستطع إيجاده، فقامت تبحث عنه وقد كانت تتسم وقتها بضعف وصغر الوزن.
فلمّا أراد جيش المسلمين، أن يكملوا طريق عودتهم، حملوا الهودج وساروا دون أن يشعروا أنّ السيدة عائشة غائبة وليست فيه.
ثمّ استطاعت السيدة عائشة إيجاد عقدها ولمّا عادت إلى مكان الجيش كان الجيش قد سار مسافةً طويلة مبتعدة عن مكانها.
فاعتقدت السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أنّهم سوف يلاحظون عدم وجودها واختفائها من الهودج ومن ثم سوف يعودون لها لأخذها.
نعتقد انه هذا المقال يهمك : كيف يحبني الله
عودة السيدة عائشة مع الصحابي صفوان بن المعطل
وكان من ضمن الجنود المحاربين في الجيش مع رسول الله الصحابي الجليل صفوان بن المعطل.
ولكن كانت مهمّته هو أن يظل ماكثا في مكانه أثناء وطوال الليل، وبعد ذلك في الصباح الباكر، يقوم ليسير وراء الجيش يتفقّد أمان وسلامة الطريق من بعد مرور الجيش.
مثل إن كان قد وقع شيئا من أحد جنود الجيش أثناء المسير، يأخذه ويرجعه إليه ويعيد كل شئ لصاحبه.
وبعد ما عادت امنا عائشة ولم تجد الجيش حزنت كثيرا وأخذت تمشي وراءه خائفة تبكي.
وفي نفس الوقت كان الصحابي الجليل صفوان بن المعطل ماشياً خلف الجيش فوجدها ولم يستطع في البداية التعرف إليها.
إذ أنها كانت تغطي وجهها، فقام بسؤالها عن نفسها ومن تكون، فأخبرته أنّها عائشة زوجة رسول الله.
فرد عليها وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون نظرا لتعجبه من عدم تفقد الجيش المسلم لعدم وجودها.
وقام بالنزول من البعير الذي كان يستقله، وسألها عن ما أصابها ولماذا تمشي وحيدة باكية، فأخبرته بما حصل معها، فقلن بحملها على بعيره وسار بها في اتجاه المدينة المنورة ليعيدها إلى مكانها.
وعندما أراد رسول الله أن يتفقّد وجود عائشة داخل الهودج، لم يجدها فظل كذلك إلى أن جاء صفوان بن المعطل ومعه السيدة عائشة محمولةً على ظهر البعير الخاص به.
كيف تم اختلاق وإطلاق شائعة حادثة الافك
أراد الكفرون بحقدهم الدفين المساس بسمعة رسول الله، فتحدّثوا بعرضه وهي السيدة عائشة، واخترعوا قصة حادثة الافك ولم يتوقّف انتشار الكلام عن حادثة الافك عند حد المنافقون فقط.
لكنه قد استطال وامتد حتى تحدث به قوم آخرين من أقارب السيدة عائشة، وهو مسطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر الصّديق وغيره الكثير.
وللعجب أن أبو بكر الصديق كان متحمل نفقة مسطح بن أثاثة كاملة، فلمّا تكلّم وتحدث في عرضه بذلك الأمر امتنع عن الإنفاق عليه.
وأنزل الله سبحانه وتعالى آياته في ذلك الأمر إذ قال: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ).
ولكنّ الرأس المدبر وأول من افتعل حادثة الافك، كان المنافق عبد الله بن أبي سلول إذ أنه كان متواجد على رأس من قاموا باختلاق هذه الحادثة.
من خبثه ،أنه لم يكن يريد أن يظهر بأنه هو من افتعل وأطلق تلك الشائعة،لذلك كان يذهب إلى النّاس ويقول لهم: أما سمعتم ما قيل في عائشة، قيل كذا وكذا، ويبدأ في قول أشياء من وحي خياله لا ترضي الله ورسوله.
مدة انتشار حديث الافك عن السيدة عائشة بالمدينة
انتشر الكلام فيما يخص حادثة الافك في المدينةِ المنّورةِ ما يصل إلى قُرابة الشّهر، و السيدة عائشة لا تشُعر بشيءٍ أو تسمع أي شئ مما يقال في حقها، ولكنّها قد شعرت قليلا بداخلها بتغيّر مُعاملة النبيّ معها.
حتى جاء اليوم التي قررت فيه أن تخرج مع امرأة تدعى أمّ مسطح، فتعثرت في طريقها ومن ثم قالت: تعس مسطح.
فاستدارت لها السيدة عائشة، وقالت لها تلومها على ذلك القول، قائلة كيف تقولين هذا الحديث لمن شهد بدراً.
فسألتها أم مسطح، إن كانت على دراية بما يقول النّاس فيها من ورائها، فأجبتها بالنفي أنها لا تعلم عما تتحدث، فأخبرتها بكل شئ.
رجعت عائشة دون أن تقضي الحاجة التي خرجت من أجلها، ولمّا تأكدت من صدق ما قالته لها تلك السيدة، من الأخبار ذهبت إلى بيت أبيها، وطلبت امرأة من الأنصار فجاءتها وحكت لها كل ما يجري.
ولما تأكدت وسمعت ما يقوله الناس بحقها، سقطت مغشيّاً عليها، ثم دخلت البيت ومرضت مرضاً شديدا ناتج من صدمتها.
وظلت تبمي وتبكي، حتّى قيل أنه لم يبقَ من دموعها شيء، ولم تعرف للنوم بابا أو طريقا.
حديث الرسول مع السيدة عائشة وجوابها له
جاء رسول الله إلى السيّدة عائشة، وأخبرها بما قد سمِع وما يقوله الناس في حقها، فألقى الشهادة ومن ثم قال لها:
(يا عَائِشَةُ، فإنَّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عليه). الراوي : عائشة أم المؤمنين – المحدث : البخاري – المصدر : صحيح البخاري
فلم تستطع إجابته و ألجم لسانها من هول الموقف، فطلبت من أبيها أن يتولى الإجابة بدلا عنها، فلم يعرف ما الذي يقال في ذلك الموقف، وطلبت من أمّها نفس الشئ، فكان ردها أنها لم تعرف ماذا تقول، فلم تجد السيدة عائشة بد من الكلام فقالت، : (إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ، ووَقَرَ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، ولَئِنْ قُلتُ لَكُمْ إنِّي بَرِيئَةٌ، واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا، إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ} ولقد قالت ذلك الحديث وهي تعلم علم اليقين في قرارة نفسها أنَّ الله سوف يُبرّئها من عنده.
ذات صلة :
موقف النبي صلى الله عليه وسلم من حادثة الإفك
كان موقف رسول الله ممّا يحدث ويقال في حق زوجته وعرضه السيدة عائشة هو السكوت والصمت التام.
وذلك لأنه كان مقيّداً بالوحي الذي سوف ينزله الله عز وجل بشأن الأمر.
ولم يريد أن يحكم بالأمر ويستعجل في قراره، حتى يأتيه الخبر اليقين، بأمر من الله عز وجل.
ولما شاهده صاحبه أبو بكر ساكتاً ولا يتكلم في الأمر التزم السكوت مثله.
وبعد ذلك بدأ رسول الله يعرض الأمر على من حوله ويستشير من هم مقربين منه مثل سيدنا علي رضي الله عنه والذي قال له، ملمّحا للأمر أنّ النّساء غير عائشة كثر.
وأيضا واستشار أسامة فقال له ونصحه بأن يبقى على عهده، ومن ثم أشار إحدى زوجاته الأخريات والتي أثنت على السيدة عائشة و مدحتها وشكرت كثيرا في أخلاقها الحميدة ولم تأتِ بها بسوء.
وفي نهاية المطاف ذهب إلى السيدة عائشة وسألها إن كانت قد فعلت هذا الأمر فلتخبره وتستغفر الله عز وجل وتتوب إليه، فكان ردها أن قالت له: لا أقول إلّا ما قاله أبو يوسف: ( فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللَّـهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ ).
هل الرسول لم يبرئ السيدة عائشة من حادثة الافك؟
في حادثة الافك وخاصة أثناء الشهر الأول لتلك الفتنة العظيمة كان النبي قد سأل بعض الصحابة، عن ما يعرفونه وأيضا رأيهم في أمنا عائشة.
وبعد مرور شهر تقريبا من ظهور موضوع الإفك العظيم جلس النبي مع أمنا عائشة ولكن كانت تلك هي المرة الأولى، من أجل أن يسألها عن هذا الأمر، وهناك أناس قد نصبوا أنفسهم حكام وحكموا بأن حالة رسول الله وقتها كانت أنه لم يبرئ أمنا عائشة، بل انتظر الوحي من الله عزوجل حتى يحكم ببراءتها.
فما رأي العلماء في ذلك الكلام هذا ما سنتعرف عليه الآن.
إجابة أحد علماء الدين الموثوقين عن هذا الأمر كانت الآتي:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
في البداية وجب التنبيه على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر من جملة البشر يعتريه ما يعتريهم من مشاعر وانفعالات بشرية ونفسية من الحزن والفرح والتأثر والضيق والهم وغير ذلك، إذ قال الله سبحانه و تعالى: قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا {سورة الإسراء: الآية 93}
وقال أيضا في سورة الكهف: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ {الكهف: 110}.
ولا شك أنه قد نزل برسولنا الكريم، في وقت حادثة الافك بلاء شديد أصابه في نفسه وعرضه ودعوته، فهو بشر في النهاية، وصاحب حدوث ذلك تأخر نزول الوحي عليه ـ لحكمة لا يعلمها إلا الله، ومع كل هذا الضيق والبلاء فإن المنافقين كانوا لا يكفون ألسنتهم، بل يروجون الإفك فيما بينهم ويشيعونه وسط المسلمين بالمدينة حتى انزلق بعض الصحابة المسلمين إلى هذا المنزلق وردد ما يردده المنافقون, وقالوا بألسنتهم ما ليس لهم به علم، كما حكى الله سبحانه ذلك من قوله: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ {سورة النور:الآية 15}.
أما قول القائل إن رسول الله لم يبرئ أم المؤمنين عائشة, فهذا يجب أن ينظر في أمره، فإن كان قائله يقصد أنه اتهمها فهذا خطأ ظاهر، بل إنه كان يذكر أمام المسلمين أنه لم ير منها إلا الخير ولا يظن بها إلا الخير.
فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن النبي:
يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي, والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا, وما يدخل على أهلي إلا معي.
ولما أتاها في بيت أبويها قال لها: إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله.
فمن تأمل قول النبي عليه أفضل وأتم الصلاة: فإنه سوف يعلم يتيقن أنه لم يتهمها وإنما يتكلم عن حالة افتراضية, بل إنه يلمح في حديثه بأن الأصل فيها البراءة والنزاهة وهذا ما يفهم من تعبيره بلفظ اللمم.
ولقد جاء في شرح النووي على مسلم: معناه إن كنت فعلت ذنبا وليس ذلك لك بعادة، وهذا أصل اللمم.
والخلاصة أن قائل هذا الكلام إن قصد أن رسول الله لم يصرح ببراءة عائشة قطعا إلا بعد نزول الوحي فهذا حقا قد حدث، لأنه لم يكن لديه أي علم أو برهان قطعي يستند إليه في ذلك.
أما إن كان يقصد أنه اتهمها فهذا كذب على رسول الله، لا يسامح فيه الله ورسوله، لذلك يجب عليه أن يتوب إلى الله منه، والله سبحانه أعلى وأعلم.
تبرئة السيدة عائشة
نزلت ايات الافك والوحي على نبينا محمد من عند الله عز وجل في قول الله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ. لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ. وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ. وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ. وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).
تكملة الآيات إلى قوله -تعالى-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
أظهرت تلك الآيات براءة السيّدة عائشة في قرآن يتلوه المسلمون إلى قيام السّاعة.
فكان منها أن فرحت فرحا كبيرا وقالت: “وأعلم أن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيًا يتلى”
ولمّا نزلت هذه ايات الافك قالت أمّ عائشة لها: “قومي اشكري رسول الله”، فردّت عائشة أنّها سوف تشكر الله الذي برّأها من فوق سبع سماوات.
حادثة الافك للسيدة عائشة على لسانها وموقفها من مسطح بن أثاثة؟
فيما يلي بيان لحادثة الافك مختصرة على لسان وما قالته السيدة عائشة بنفسها.
إياك يا جري أن تنظر إلى هذا البدري شزرا لهفوة بدت منه، فإنها قد غفرت، وهو من أهل الجنة، وإياك يا رافضي أن تلوح بقذف أم المؤمنين بعد نزول النص في براءتها فتجب لك النار “..
كانت تلك هي الكلمات التي تحدث بها الإمام الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عن الصحابي المهاجر البدري “مسطح بن أثاثة” الذي انتقل إلى جوار ربه سنة 34 هـ، وكان قد هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا.
كنه على الرغم من ذلك كان قد وقع في مصيدة المنافقين وتحدث في موضوع “الإفك” فكان ممن خاضوا فيها وخاض في عرض أم المؤمنين عائشة و ممن أقيم عليهم الحد بالقذف.
كان قد شاركه في هذا الأمر، شاعر الرسول “حسان بن ثابت” الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود والترمذي: “إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن رسول الله”.
ومن ضمن مم خاضوا في ذلك الحديث أيضا كانت حمنة بنت جحش، شقيقة أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش.
كان قد اشترك مسطح مع غيره من المنافقين، في حديث الإفك ضد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فتقول عائشة في حديثها الوارد بصحيح البخاري:
قدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وكان متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح.
فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا”.
وبعد نزول آيات تبرئة السيدة عائشة، قال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان يعطيها له وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
نزول آيات تبين حد القذف
كانت حادثة الافك سبباً لنزول الآيات التي شمل فيها الله سبحانه وتعالى حدّ القذف،د.
فقال سبحانه وتعالى-: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ).
عبر ودروس من ذلك الموقف وتلك الشائعة
وبعد حادثة الافك تلك، وتبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاه، يمكننا أن نستخلص من تلك الحادثة الكثير جدا من العبر والنصائح مثل:
مواساة والوقوف بجانب كل امرأة عفيفة، قد يتعرّضن لمثل ما تعرضت له أم المؤمنين عائشة.
فيتهمها المنافقون زورا وبهتانا، في عرضها، ولم تكن السيدة عائشة أولى من حدث لها ذلك ولكنها تعرضت له من قبلها مريم ابنة عمران.
تعرفنا من تلك القصة كين كان يتعامل صّحابة رسول الله، مع النّساء وخاصة زوجات رسول الله.
ومن ذلك موقف الصحابي الجليل صفوان وقتما رأى عائشة؛ وسألها عن ما بها فاكتفى أنه قال: إنّا لله وإنا إليه راجعون، ثمّ جعلها تركب بعيره الذي كان يستقله، ولم يتحدّث معها بشيء حتى أوصلها إلى رسول الله
نتعلم أيضا كيف يتعامل رسول الله مع زوجاته بلطف ولين، ويستطيع أن يضبط نفسه في أي من المواقف التي تحتاج إلى ذلك.
ندرك أيضا كيف يجب أن نتحلى بالتأني في إصدار الأحكام، فقد كان رسول الله يسأل عنها وعن صحتها لمّا مرضت بسبب هذا الأمر على الرغم من أنّه لم يكن وقتها بدرجة اللين التي اعتادته منه.
اقرأ ايضا :
تعليق واحد