الاسراء والمعراج، معجزة إلهية متكاملة حدثت لرسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- حيث كرم الله -سبحانه وتعالى- نبيه بالصعود إلى طبقات السماء العليا حتى يصل إلى مستوى سماع صوت الأقلام، إنها معجزة عظيمة يعجز البشر عنها، أيد سبحانه وتعالى بها رسوله محمد ليعزز من موقفه مع قومه وينصر بها دعوته. فهي لم تكن مجرد رحلة إلى السماوات السبع بل تخفي في داخلها الكثير من الأهداف والدروس المستفادة، والآن إليك كل ما يجول في خاطرك من تساؤلات حول قصة للاسراء والمعراج كاملة أو متى موعدها والأعمال المفضلة في هذه الليلة. كل ذلك نتناوله باستفاضة في هذا المقال.
معنى الإسراء والمعراج
إن رحلة الإسراء والمعراج لكل جزء منها معنى، فكلمة الإسراء وحدها تعني الرحلة الأرضية التي خاضها رسولنا الكريم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بسرعة تفوق استيعاب البشر.
وهي آية من آيات الله سبحانه وتعالى الي أنعم على رسوله بها، فيقول جل جلاله عن اية الاسراء والمعراج: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ”.
أما بالنسبة إلى مفهوم المعراج فلم يرد في القرآن باللفظ الصريح، بل قال عنه سبحانه وتعالى: “وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى”.
وكلمة المعراج تعني الرحلة السماوية التي ارتقى فيها رسولنا الحبيب من عالم الأرض صوب عالم السماوات السبع حيث سدرة المنتهى، ثم عودته مرة أخرى إلى المسجد الحرام.
وتتحدث سورة النجم باستفاضة عن معراج الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تلك الرحلة التي تمتلك من العجائب ومعجزات الله ما لا يقدر عقل الإنسان على استيعابه، فهي واحدة من الآيات الكونية التي صنعها الله.
وإرادة الله أن يرتقي صلوات الله وسلامه عليه إلى السماوات كي ينالها شرف أنواره الذي نالته الأرض وأهلها، لذلك كانت رحلة الإسراء والمعراج.
موعد ليلة الاسراء والمعراج
كما أن من ضمن التساؤلات الأكثر طرحا حول حادثة الاسراء والمعراج هو “متى الاسراء والمعراج”. توقيت رحلة الاسراء والمعراج اختلفت فيه الأقاويل، منهم من يقول أنها كانت في السنة العاشرة من البعثة تهوينا عليه بعد أن توفت زوجته خديجة وعمه.
بينما هناك آخرون يقولون أنها كانت قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعام، وهي في ليلة السابع والعشرين من رجب في السنة الثانية عشرة من البعثة على أن تبدأ من مغرب اليوم السادس والعشرين من رجب، والرأي الغالب هو الأخير.
قصة الإسراء والمعراج
إن قصة الإسراء والمعراج مختصرة تتمثل في كونها قد بدأت في عام الحزن، ذلك العام الذي فقد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه زوجته السيدة خديجة وعمه أبو طالب -رضي الله عنهما- وهنا اجتاح أعماق الرسول حزنا شديدا عليهما وضاقت به الأرض خاصةً في ظل استمرار المشركين في تكذيبه. ولكن الرسول لم ييأس وذهب إلى الطائف وحيدا حتى يقوم بدعوة أهلها كي يسلموا لكنه لم يلقى منهم سوى الطرد والرمي بالحجارة من قبل غلمانهم وحينها جلس تحت شجرة ورفع يده الشريفة إلى الله تعالى ودعاه الدعاء الشهير وهو:
“اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلْنِي؟، إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي؟ أَوْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتِ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطِكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِك”.
فكان رد الله سبحانه وتعالى عليه أن بعث إليه بجبريل -عليه السلام- ليقوم بحمله على البراق وهو عبارة عن حيوان تبدو هيئته بين بغل وحمار ولونه شديد البياض وسرعته فائقة، فذهب به الرسول إلى بيت المقدس وتولى إمامة الأنبياء وصلى بهم جميعاً، وهو خير دليل على كونه خاتم الأنبياء والمرسلين.
وفي صباح اليوم التالي، قص الرسول على قومه ما رآه وما حدث له لكن رد فعل قومه كان عدم التصديق، حتى أن أحدهم تجرأ وسأل عن أنه هل من المعقول أن يذهب الرسول إلى بيت المقدس ويعود في مجرد ليلة واحدة، وآخر يقول إن كنت صادقاً حقا صف لنا البيت المقدس.
حينها بدأ الرسول في وصف بيت المقدس وكل جزء فيه بالتفصيل الملل، حتى أنه أخبرهم عن مكان قافلة لهم كانوا في انتظارها، وقد جاءت بالفعل.
لماذا سمي أبو بكر بالصديق
كذلك من بين أدلة تكذيب قوم محمد له أن أحدهم قد جاء إلى أبو بكر الصديق -رضي الله عليه- قائلا له هل علمت أن صاحبك يدعي ذهابه إلى بيت المقدس وعودته منه في نفس ليلة؟ وحينها كان رد أبي بكر عليه أنه ما دام رسول الله قد قال ذلك فإنه صادق، عندها سمي بأبي بكر الصديق.
ماذا رأى الرسول في رحلة الإسراء والمعراج
وبعد أن تناولنا إجابة سؤال ما هي ليلة الاسراء والمعراج، الآن نتناول تفاصيل ما رآه الرسول أثناء هذه الرحلة على النحو الآتي:
- بعد صعود النبي إلى السماء الدنيا يبدأ جبريل في طلب الإذن بالدخول في كل سماء من السماوات السبع فتسمح له الملائكة بذلك بترحيب شديد بالرسول.
- يقابل الرسول في السماء الدنيا سيدنا آدم عليه السلام أبو البشر ويتبادلا التحية.
- ثم يتقابل في السماء الثاني مع سيدنا عيسى عليه السلام ويحيي كل منهما الآخر.
- بعدها يصعد إلى السماء الثالثة فيقابل يوسف عليه السلام.
- وفي السماء الرابعة يتقابل مع سيدنا إدريس عليه السلام.
- أما السماء الخامسة فيتقابل فيها مع هارون عليه السلام.
- وفي السادسة يلتقي بسيدنا موسى عليه السلام.
- أما عن السماء السابعة فيلتقي فيها لخليل الله سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام.
- وبعد ذلك يصعد جبريل إلى سدرة المنتهى وهي شجرة ضخمة عظيمة القدر والحجم على حد سواء ويجري من تحتها الأنهار.
- حينها يتوقف جبريل ويتقدم الرسول ويقف بين يدي الله سبحانه وتعالى لينسى كل ما مر به من أحزان ومصاعب.
- ويفرض الله سبحانه وتعالى على الأمة خمسين صلاة في اليوم الواحد لكن من رحمة رسولنا بنا أن طلب منه تقليلها حتى وصلت إلى الخمس صلوات بأجر خمسين صلاة.
- وشاهد أيضاً الجنة ونهر الكوثر الذي منحه الله له تكريما له.
- كذلك رأى أهل النار وهم يعذبون على إثر ارتكابهم الكذب والنميمة والغيبة.
- كما رأى صلى الله عليه وسلم شجرة الزقوم وماشطة فرعون وخازن النار والمسيخ الدجال.
ماذا شرب الرسول في رحلة الإسراء والمعراج
قبل بدء رحلة الإسراء والمعراج أتى جبريل عليه السلام بثلاثة كؤوس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أحدهما به ماء والآخر به خمر والآخر به لبن، واختار الرسول أن يشرب من اللبن، حينها أخبره جبريل عليه السلام أنه لو كان اختار الماء لغرق قومه في الذنوب والمعاصي، ولو كان اختار الخمر لارتدت الأمة، لكنه اختار الفطرة وشرب اللبن.
قد يهمك:
اعمال ليلة الاسراء والمعراج
لم يرد في الشريعة الإسلامية اعمال محددة يقوم بها السلم في ليلة الاسراء والمعراج. لكن إن كان في صميم النية أنه احتفالا بالرسول وتقديراً له، فيجوز الإكثار من الصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. بالإضافة إلى أداء الصلوات التي فرضت في هذا اليوم كما ينبغي أن تكون، والاكثار من الدعاء في هذا اليوم. وإليك أدعية ليلة الإسراء والمعراج على النحو الآتي:
- اللهم أخرجني من حولي وقوتي إلى حولك وقوتك وانصرني يا ناصر المستضعفين في الأرض يا رب العالمين.
- اللهم إني أسألك الراحة من كل شيء يهمني ويتعب قلبي ويهلك تفكيرني برحمتك يا أرحم الراحمين.
- ربنا أعز الإسلام والمسلمين وانصرنا جميعا على من عادانا واجعل مكر كل من يمكر بالإسلام والمسلمين ينقلب عليه يا خير الماكرين.
- اللهم اجعل لنا نصيباً من كرمك وحقق لنا ما نتمنى يا رب المعجزات.
- اللهم إنا نتوجه إليك بمحمد أن تجعلنا عاملين بدينك نافعين الإسلام قابضين على ديننا إلى يوم الدين.
- ربنا اجعل لنا من لدنك نصرا على كل من يظلمنا وقونا على طاعتك وحسن عبادتك.
- اللهم خذ بيدي إلى طريق الهداية وأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
- اللهم اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي واجعلني ممن رضيت عنهم ورزقتهم الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين.
- ربي اجعل لي نصيباً من رحمتك يدخلني جنتك بغير حساب ولا سابقة عذاب يا غفور يا رحيم.
- اللهم بكونك قادر على كل شيء بدل حالنا إلى أفضل حال. وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا واخرتنا وارزقنا جنتك يا رب العالمين.
حديث الإسراء والمعراج
وجاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث الإسراء والمعراج على النحو الاتي:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه». قال: «فركبته حتى أتيت بيت المقدس»، قال: «فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء».
قال: «ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت. فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترت الفطرة. ثم عرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ فقال : قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل: من أنت، فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكرياء -صلوات الله عليهما-. فرحبا ودعوا لي بخير. ثم عرج بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت، قال: جبريل. قيل: ومن معك، قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟. قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم. إذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ فرد: محمد، قال: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لي بخير، قال الله عز وجل: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57].
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا.
فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك، قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه. ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال».
قال: «فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إليَّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك؛ فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم».
فقال: «فرجعت إلى ربي، فقلت: يا رب، خفف على أمتي، فحط عني خمسًا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حط عني خمسًا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف».
قال: «فلم أزل أرجع بين ربي -تبارك وتعالى- وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاة، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرًا، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة».
قال: «فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه».
اقرأ أيضا:
