لا بد وأنك قد سمعت في يوم من الأيام حديث. نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع ، فما صحة هذا الحديث؟ وهل حقًا ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هذا ما سنجيب عليه في مقالنا التالي.
نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع
في الواقع لم يعثر على حديث. لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع – بعد التدقيق والبحث – في جميع كتب السنة النبوية. ولم يروى سوى عن برهان الدين الحلبي في “السيرة الحلبية”، وقد وجد منفردًا بلا إسناد أو عزو لراوي ثقة.
ومن هذا المنطلق فلا تصح نسبته إلى النبي صلوات ربي وسلامه عليه.
قال الشيخ الألباني رحمه الله:
” هذا القول الذي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا أصل له “.
كما وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” فيما يخص الحديث:
” هذا اللفظ المذكور ليس حديثا فيما نعلم”.
على أن المعنى الذي شمله هذا الكلام، لا يزال أهل العلم. وأهل والحكمة واللب النافذ يرون برجحانه.
فلا ينبغي للإنسان أن يأكل الطعام حتى يملأ بطنه عن آخرها طوال الوقت. بل لا يأكل حتى يطيب الطعام لنفسه ويشتهيه. فإذا رغب فيه فليعطي معدته حاجتها فقط، وليعتدل في تناوله. فلا يملأ لكنه بطنه حتى التخمة، بل يجعل الأمر متوسطًا ومعتدلًا.
من قال نحن قوم لا نأكل حتى نجوع
هذه المقولة تروى عن جماعة من الوفود وفي سنده ضعف كما قلنا. حيث قالوا إن النبي ﷺ قال: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع). وهذا المعنى صحيح لكن السند فيه ضعيف.
فلا يعرف لمن تنسب هذه المقولة لكنها لم تروي من الرسول. ولكن هذا لا يمنع أنها
تنفع الإنسان إذا أراد أن يأكل فلينتظر حتى يجوع. وإذا أكل وهو جائع فليقتصد في الأكل. ويبتعد عن الشبع الزائد الذي يضر أكثر مما ينفع.
فالصحابة كانوا على عهد الرسول يأكلون ويشبعون وفي غيره، ولكن الغرض من الكلام هو الخوف من الشبع الزائد.
لكن ومع هذا لا دليل على صحة هذه المقولة. فلقد كان النبي ﷺ في بعض الأوقات يعقد الولائم، ويستضيف الناس ويطلب منهم بالأكل فيمتثلون ويأكلون، ثم يأكل الرسول.
قد يهمك أيضًا:
صحة مقولة نحن قوم لا نأكل حتى نجوع
لم نجد مقولة نحن قوم لا نأكل حتى نجوع في كتب الحديث، كما أنها لا تصحُّ بهذه الألفاظ.
هناك عدة أحاديث قد جاءت في باب الشبع والنهي، منها:
• عن زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ. وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا. وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ. وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا» رواه مسلم برقم 2722.
وقال الإمام النووي في شرحه (17/ 41):
[ومعنى نفس لا تشبع اسْتِعَاذَةٌ مِنَ الْحِرْصِ وَالطَّمَعِ وَالشَّرَهِ وَتَعَلُّقُ النَّفْسِ بِالْآمَالِ الْبَعِيدَةِ].وعن المقدام بن معد يكرب الكندي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلب. فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». [السلسلة الصحيحة برقم 2265].
وقال العلامة ابن قيم الجوزية في زاد المعاد (4/ 16-17):
[فَصْلٌ: فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاحْتِمَاءِ مِنَ التَّخَمِ. وَالزِّيَادَةِ فِي الْأَكْلِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَالْقَانُونِ الَّذِي يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِفِي ” الْمُسْنَدِ ” وَغَيْرِهِ: عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».
ما معنى لا تاكل حتى تجوع وإذا اكلت لا تشبع؟
من قال إن الإكثار من تناول الطعام يمنح غذاء كثير للجسم. وفي الحقيقة لا يحصل فائدة إلا من الطعام الذي يحسن هضمه. كما أن الإفراط في الأكل سوف يسبب أضرارا جسيمة.
ومن هذا المنطلق قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المعدة إلى ثلاثة أقسام.
فقال: جزء للطعام وجزء للماء وجزء للتنفس. ومن يتأمل بهذا التقسيم الرائع سيجد فيه حكمة عظيمة يسلم بها الإنسان من شر الأمراض. فمن أكل أكثر مما يحتاج سيصاب بعسر الهضم. وبالإضافة إلى سبعة أمراض أخرى: منها ضعف والتهاب مزمن في الجهاز الهضمي في المعدة، وضعف الأعضاء الأخرى. فرط الدهون مما يعيق حركة الجسم ويحدث العديد من الأمراض أهمها أمراض الجلطة والسكتات الدماغية وغيرها.
هذا وليس من الصائب الاعتقاد بأن الجوع الشديد. ينقي العقل ويؤجج الفكر ويثير الخيال.
حتى لا يفشل أحد في ملاحظة أن انشغال العقل بنداء المعدة يجعله غير قادر على الاستجابة بشكل أسرع لما حوله.
لذا فالحل يكمن في الاعتدال في كل مكان. فكما لا يستطيع الجائع أن يؤتي بثمار جيدة في الحرب. لا يستطيع أيضا الشخص الثقيل الذي لا يجد مخرجًا لرئتيه في التنفس أن يجلب النصر. فكلاهما يشتركان في الضرر، فالمعتدل هو أفضلهما، لتنفيذه سنة الرسول من جهة، ولسلامة جسده من جهة أخرى.
آداب الطعام في الإسلام
من آداب الطعام في الإسلام نذكر لكم.
التسمية في أول الطعام:
ففي الصحيحين عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه. قال: كنت غلامًا في حِجْر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت يدي تطيشُ في الصَّحْفة. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا غلام، سمِّ الله، وكُلْ بيمينِك، وكُلْ مما يَليك))، فما زالَتْ تلك طِعْمَتي بعدُ.
فإذا نسي أن يُسمي في أول الأكل، فليَقُلْ: بسم الله أوله وآخره:
فقد روى الترمذي – وقال: حسن صحيح – عن عائشة رضي الله عنها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدُكم طعامًا. فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره)). وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل طعامًا في ستة من أصحابه. فجاء أعرابيٌّ فأكله بلقمتينِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنه لو سَمَّى لكفاكم).
الأكل باليمين:
روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أكل أحدُكم فليأكُلْ بيمينه، وإذا شرِب فليشرَب بيمينه. فإن الشيطان يأكل بشِماله، ويشرب بشماله).
وروى عن إياس بن سَلَمة بن الأكوع. أن أباه حدَّثه أن رجلًا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشِماله. فقال: (كُلْ بيمينِك). قال: لا أستطيع. قال: (لا استطعتَ)، ما منعه إلا الكبرُ، قال: فما رفعها إلى فيه.
الأكل من الجانب الذي يليه:
ففي الصحيحين عن عُمر بن أبي سلمة رضي الله عنه. قال: كنت غلامًا في حِجْر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت يدي تطيش في الصَّحْفة.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يا غلامُ، سَمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك))، فما زالت تلك طِعْمَتي بعدُ.
وإلى هنا نكون قد انتهينا من مقالنا نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع. بعد أن بينا حقيقة هذه المقولة. وسلطنا الضوء على صحة نسبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كما سردنا لكم بشكل موجز آداب تناول الطعام في الإسلام.
مرشح لك: