أدعوك ربي كما أمرت تضرعا، واحدة من أشهر القصائد التي خلدها التاريخ لأبو نواس. فلقد كانت علامة حقيقية على صدق توبته.
وسنستعرض معًا في مقالنا لليوم هذه القصيدة بشيء من التفصيل.
ادعوك ربي كما امرت تضرعا
ادعوك ربي كما أمرت تضرعا هو جزء من قصيدة لأبي نواس يقول فيها:
يا ربِّ إنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِي كَثْرَةً
فلقد عَلِمْتُ بِأَنَّ عفوك أَعْظَمُ
إِنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إِلاَّ مُحْسِنٌ
فَمَن الذي يَدْعُو ويَرْجُو المجرم
أَدْعُوكَ رَبِّ كما أمرت تَضَرُّعاً
فَإِذَا رَدَدَّتَ يَدِي فمن ذا يَرْحَمُ
مَالِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلاّالرَّجَا
وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ إِنِّي مُسْلِمُ
قد يهمك أيضًا:
شرح قصيدة يارب ان عظمت ذنوبي كثرة
صاحب قصيدة يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة هو أبو نواس. اسمه كامل الحسن بن هاني بن عبد الأول بن الصبح. مول الجراح بن عبد الله بن جماده. بن أفلح بن الحارث بن دوح بن حدقة بن مظهر بن سهل بن الحكمي بن سعد بن مالك.
وولد عام 136 م في العراق، وعاش في البصرة وشهد في وقتها قوة العصر العباسي وكان من شعرائه المتميزين. ساعده في ذلك طبيعته الطيبة، وقدرته على التعامل بشكل جيد مع الناس، وكان ذكيًا جدًا ولماحًا.
لكن يرجح أن أبو نواس نشأ في بيت مليء بالكحول والفسق. الأمر الذي جعله غير ملم بتعاليم الدين ولم يهتم بالالتفات إليها. إذ كانت والدته تدير منزلاً من أجل عمل مخالف للقانون. وقد كان لذلك أثر سلبي على اختياره للكلمات والمواضيع التي طرحها وناقشها في قصائده.
كما وأطلق عليه لقب شاعر الخمر.، لأنه كان يكتب الكثير من القصائد في المديح وحب الخمر. ورغم ذلك كانت قصة توبته رائعة. حيث عاد إلى الله تعالى بطريقة ملهمة وشجعت الكثير على التغيير.
يارب ان عظمت ذنوبي كثرة
يقول ابو نواس في قصيدته يارب إن عظمت ذنوبي:
- يارب إن عظمت ذنوبي كثرة، فقد علمت بأن عفوك أعظم.
- إن كان لا يرجوك إلا محسن، فبمن يلوذ ويستجير المجرم.
- أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً، فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم.
- مالي إليك وسيلة إلا الرجا، وجميل عفوك ثم إني مسلم.
حيث قصد أبو نواس في قصيدته التوسل إلى الله والاعتراف بذنوبه، راجياً في كرم الله تعالى. أن يلجأ إليه واثقاً بالله أن يحقق ما يتمنى ويغفر له. وهذا صحيح كما يقول الله تعالى في كتابه في سورة الزمر الآية.
” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ. لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”.
توبة أبي نواس
بعد مرض أبو نواس وبدأ الوباء ينتشر في جسده. وسرطان الكبد أخذ ينهش في جسده، تاب وقتها وأعلن التوبة النصوح. على الرغم من أنه طيلة حياته كان فاسقًا وعاصيًا. لكنه بعد ذلك أصبح قريبًا من الله تعالى. واستشعر وجود الله سبحانه وتعالى في حياته، وفي كل عمل يصدر منه صغير أو كبير كان.
كما كتب أبو نواس العديد من القصائد التي تمس القلوب. وخُلِّدت في تاريخ الأدب الإسلامي، فتغنى بها الشعراء وذكرها المشايخ في خطبهم للتضرع إلى الله تعالى.
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة
يارب إن عظمت ذنوبي كثرة كانت آخر قصيدة في حياة أبي نواس. وهي التي وجدها الناس أثناء الغسل، وكانت علامة على الخاتمة الطيبة. والتي جعلت أئمة المدينة يصلون عليه، فكانت قصة توبة جميلة. تدل على أن علاقة العبد بربه علاقة خاصة لا يعرفها أحد ولا يطلع على تفاصيلها أحد. وهذا ما كان أبو نواس يجسده في قصيدته.
فلقد كانت القصيدة بمثابة المعنى الحقيقي لحسن الإيمان بالله ورجاء الاستغفار. وهذه من أعظم درجات الثقة بالله، والطمع في نيل مغفرة الله ورحمته. بعدما كانت كل قصائده دعوة حقيقية للفسق والفجور والانفلات الأخلاقي.
ويقول أيضًا في قصيدته:
- دب في الفناء سغلا وعلوا، وأراني أموت عضوا فعضوا
- ليس من ساعة مضت لي إلا، نقصتني بمرهابي جزوا
- ذهبت جدتي بطاعة نفسي وتذكرت طاعة الله نضوا
- لهف نفسي على ليالي وأيا، ما تمليتهن لعباً ولهوا
- قد أسئنا كل الإساءة قالا، هم صفحا عنا وغفرا وعفوا
- ما حجتي فيما أتيت وما، قولي لربي بل وما عذري
- أن لا أكون قصدت رشدي أو اقبلت ما استدبرت من عمري
امتناع الشافعي عن الصلاة على أبو نواس
وعلم عن أبو نواس أنه شاعر الفسق والفجور. وفي الماضي كان لديه العديد من الأغاني التي أثارت الجدل ودعت إلى الفاحشة. حيث كان معروفًا بأنه سكير يدخل في علاقات مع العديد من النساء. ولطالما كانت أخباره معروفة في البلاد عن كثرة العلاقات والأفعال غير اللائقة، وتشهد على ذلك أشعار أبي نواس. مما تسبب في انصراف الناس عنه وتجنبه
ومن قصائده التي أثارت الجدل وأوشكت أن تودي إلى مقتله. وكانت أيضًا سبب في امتناع الإمام الشافعي عن الصلاة على أبي نواس. هي تلك القصيدة التي قال فيها:
“دع المساجد للعباد تسكنها، وطف بنا حول خمار ليسقينا، ما قال ربك ويل للذين سكروا، ولكنه قال ويل للمصلينا”.
وكانت هذه جريمة كبرى وعدم احترام للدين الإسلامي وذنب لا يغتفر. حتى أن هارون الرشيد الذي كان الخليفة في ذلك الوقت أراد أن يضرب عنقه. لكن في ذلك الوقت قال أبو نواس لهارون الرشيد أمير المؤمنين أن لا يؤاخذه. لأن الشعراء دائما يقولون ما لا يفعلونه، أي أنه لم يقتنع بما قاله. لكنه يسترسل في الشعر اتباعًا لنزوات الكلام، لكن موقف الإمام الشافعي ورجال الدين تجاهه لا يزال قوياً. حيث تجنب الإمام الشافعي جنازته ولم يذهب للصلاة عليه وامتنع عن الاشتراك في غسله. معتبرا إياه فاسقا ، واخطأ في حق الدين وجميع المسلمين.
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة كانت سبب في صلاة الشافعي على أبو نواس
وأثناء الغسل وجدوا القصيدة التي عرفت فيما بعد بآخر قصيدة لأبي نواس. وهي ما ذكرناها سابقاً “يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة”. وقد رفعت هذه القصيدة إلى الإمام الشافعي. وبكى عند قرأتها كثيراً وأخذ يعيدها ويقرأها مرارًا وتكرارًا، وفجأة امتلأت جنازة أبي نواس بالمؤمنين والمسلمين. حتى صلى عليه الإمام الشافعي، وليعلمنا أبي نواس درس من أعظم الدروس. وهو أن الإنسان لا يعرف ماهية العلاقة بين العبد وربه. ولا ما تحمله القلوب من أسرار، فلا تتسرع في الحكم على أحد.
مواضيع ذات صلة:
وبذلك نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا. أدعوك رب كما أمرت تضرعا وقد ذكرنا لكم ملابسات هذه القصيدة، ولمحة سريعة عن حياة أبو نواس.