« اني والجن والانس في نبأ عظيم : أخلق ويُعبد غيري أرزق ويُشكر غيري » (1)
وهذا الحديث من أخبار بني اسرائيل وقال رسول الله ﷺ « حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج » (2)
شرح الحديث
كلمة نبأ من حيث اللغة هي الخبر ذو الفائدة العظيمة يحصل به علم او غلبة ظن. فلا يعبر عن الخبر المحتمل الصدق والكذب بكلمة نبأ. ولكن يعبر بها عن كل خبر هام عظيم.
كقول الله تعالى « عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) » (3).
فــ الله سبحانه وتعالى حين يقول في نبأ عظيم فلابد وان الامر خطير. ويتلخص معنى الحديث القدسي الشريف في نقطتين هامتين وهما :
- ان الله تبارك وتعالى هو الخالق ومع ذلك يعبد غيره.
- ان الله تبارك وتعالى هو الرازق ومع ذلك يشكر غيره.
والعبادة تعني التذلل والخضوع والطاعه والتوحيد والدعاء.
معنى العبادة
وفي الحديث القدسي ( يُعبد غيري ) يقصد بها كل انواع العبادة فمنها السجود للاصنام وطاعة غير الله ..
فعلى سبيل المثال حين احل الله لعبادة التجارة وحرم الربا. نجد ان النظام الاقتصادي الحالي يقوم على الربا. بالرغم انه قد تبين ان المشروعات القائمة على الربا لا تفلح بل تفشل فشلا ذريعا يحار في تفسيره علماء الاقتصاد. وذلك من حيث ( العبادة ) بمعنى ( الطاعة )
اما ( العبادة ) بمعنى ( التوحيد ) فقد اشرك بعض الناس بالله وادعو له الولد سبحانه وتعالى عما يصفون. وقالت اليهود عزيز ابن الله. وقالت النصارى المسيح ابن الله. وقال مشركوا العرب الملائكة بنات الله. ذلك قولهم بافواههم تعالى الله سبحانه عما يقولون ويصفون علوا كبيرا.
والعبادة بمعنى الــ دعاء . الدعاء عبادة يغفل عنها الكثيرون. فهل يجار كل الخلائق بالدعاء لله؟ لا ابدا !!
فنجد كثير من الناس لا يدعون الله « كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى» (4) .
حتى الدعاء يغفل أكثر الناس عنه ولعل هذا ما الهمنا ودفعنا لتقديم هذا الموقع دعاء المسلم . على ان يكون من اوائل المواقع العربية المتخصصة في الدعاء. والتي تضم اكبر محتوى ادعية يغطي كافة جوانب حياة المؤمن.
ولعلي احكي لكم قصة حدثت مع سيدنا يوسف لعلها تشعركم باهمية الدعاء او تلمس قلوبكم كما لمست قلبي.
يحكى انه بعد ان مكن الله سيدنا يوسف في الارض. انقسمت الارض بينه وبين عزيز مصر. فكان من نصيب الارض التى كان عليها نبي الله يوسف عليه السلام ومعه 120 الف ,ان لايكون فيها ماء.
فأمر سيدنا يوسف عليه السلام من معه ان يفعلوا كل مايستطيعون ويحفروا في الارض بكل ما أوتوا من قوه وفي كل شبر. حتى مر عام والثاني والثالث. حتى اشتد عليهم ما هم فيه . ثم قال يوسف عليه السلام يارب اين الماء ,يارب اشتد علينا امرنا فاخرج لنا الماء. فقال له الله يا يوسف لما لم تطلبني؟ فلو طلبتني لاخرجتها لك.
فسبحان الرازق في علاه وكأن لما وجد الله من يوسف الاستغناء بسعيه وراء الاسباب فتركه للاسباب.
فان بحثت عن الاسباب كان لك منها نصيب . ولكن ان بحثت عن مسبب الاسباب كان لك أمرك وبركته في الدنيا والاخرة.
معنى الرزق
« اما قول الله أرزق ويُشكر غيري » كما جاء في الحديث القدسي.
لو اعمل الناس فيه فكرهم كما فعل العارفون لوجدوا ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
« لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ » (5)
ولننظر لانواع الرزق المختلفة نجد ان الله سبحانه هو خالقها . فبداية خلق الله الماء ثم جلعه اساس الحياة.
« أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) » (6)
قوله تعالى : أفرأيتم ما تحرثون هذه حجة أخرى ، أي : أخبروني عما تحرثون من أرضكم فتطرحون فيها البذر ، أنتم تنبتونه وتحصلونه زرعا فيكون فيه السنبل والحب أم نحن نفعل ذلك ؟ وإنما منكم البذر وشق الأرض ، فإذا أقررتم بأن إخراج السنبل من الحب ليس إليكم ، فكيف تنكرون إخراج الأموات من الأرض وإعادتهم ؟ ! وأضاف الحرث إليهم والزرع إليه تعالى ، لأن الحرث فعلهم ويجري على اختيارهم ، والزرع من فعل الله تعالى وينبت على اختياره لا على اختيارهم . وكذلك ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت فإن الزارع هو الله ، قال أبو هريرة : ألم تسمعوا قول الله تعالى : أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون والمستحب لكل من يلقي البذر في الأرض أن يقرأ بعد الاستعاذة : أفرأيتم ما تحرثون الآية ، ثم يقول : بل الله الزارع والمنبت والمبلغ ، اللهم صل على محمد ، وارزقنا ثمره ، وجنبنا ضرره ، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين ، ولآلائك من الذاكرين ، وبارك لنا فيه يا رب العالمين . ويقال : إن هذا القول أمان لذلك الزرع من جميع الآفات : الدود والجراد وغير ذلك ، سمعناه من ثقة وجرب فوجد كذلك .
تفسير القرطبي
فالماء والارض من خلق الله وكذلك البهائم والدواب وما تنتجة من جلود ولحوم والبان.
هل تأملت في خلق اللبن من قبل ؟ والله انه لامر عظيم لاولي الالباب
يقول الله تعالى « وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ » (66) (7)
قوله تعالى : من بين فرث ودم لبنا خالصا نبه سبحانه على عظيم قدرته بخروج اللبن خالصا بين الفرث والدم . والفرث : الزبل الذي ينزل إلى الكرش ، فإذا خرج لم يسم فرثا . يقال : أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها . والمعنى : أن الطعام يكون فيه ما في الكرش ويكون منه الدم ، ثم يخلص اللبن من الدم ; فأعلم الله سبحانه أن هذا اللبن يخرج من بين ذلك وبين الدم في العروق . وقال ابن عباس : إن الدابة تأكل العلف فإذا استقر في كرشها طبخته فكان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما ، والكبد مسلط على هذه الأصناف فتقسم الدم وتميزه وتجريه في العروق ، وتجري اللبن في الضرع ويبقى الفرث كما هو في الكرش ; حكمة بالغة فما تغن النذر . خالصا يريد من حمرة الدم وقذارة الفرث وقد جمعهما وعاء واحد . وقال ابن بحر : خالصا بياضه .
تفسير القرطبي
مواضيع قد تفيدك:
المصادر
(1) رواه البيهقي والحاكم عن معاذ رضي الله عنه. والديلمي وابن عساكر عن ابي الدرداء رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري من حديث حديث عبد الله بن عمرو بلفظ: “بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار”.
(3) {سور النبأ:1-2}
(4) {العلق:6-7}
(5) {طه:132}
(6) {الواقعة:64-65}
(7) {النحل:66}