إن حديث ابن مسعود عن النبي ﷺ قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها، متفق عليه. وفي مقالنا لليوم سنستعرض معًا حديث لا حسد إلا في اثنتين. وكذلك صحة هذا الحديث وفقا لما جاء عن علماء الأمه وأيضا شرح الحديث.
لا حسد إلا في اثنتين
في حديث ابن مسعود يقول صلى الله عليه وسلم في حديث لا حسد إلا في اثنتين ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها.
● “حكمة” فسرها جمع من أهل العلم كالحافظ ابن حجر بالقرآن، وذلك التفسير له شهود تشهد له بالصحة. ومنها أنه جاء بمثل ذلك الحديث من حديث ابن عمر في الصحيحين. عن النبي ﷺ قال “لا حسد إلا في اثنتين، فذكر الرجل الذي آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، والرجل الذي آتاه الله مالاً فسلطه في هلكته في الحق”.
فسرد الأمرين لكنه قام بذكر القرآن بدلًا من الحكمة. وهذا أيضًا تم ذكره في حديث أبي هريرة في البخاري. فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين، وذكر الأول قال: ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار.
فيمكن أن يتم تفسيره على قوله صلى الله عليه وسلم هنا ورجل آتاه الله الحكمة، أن الحكمة هي القرآن. والحكمة إذا قمت بتتبع ذكرها في النصوص ستجد أنها قد تأتي في مواضع ويراد بها النبوة.
● وأحيانًا قد تأتي ويكون معناها القرآن، وفي مواضع أخرى قد يراد بها السنة خصوصًا وأنها ذُكرت مع القرآن وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ، فالحكمة هي السنة.
وقد تأتي ويراد بها الفقه في الدين، ومعناها الأصلي في كلام العرب المنع وتدور مرادافتها حول ذلك. ولذلك يقال: هي أن تصيب في الفعل والرأي والقول. وعليه فهي صفة تحجب صاحبها عن الوقوع في الشطط والخلل في الرأي، والقول والعمل، لتصبح آراؤه وأقواله وأفعاله كلها على طريق الصواب.
وإن ذلك كله يرتبط بالعلم فحينما يقول النبي ﷺ: ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها. والروايات الأخرى تقول آتاه الله القرآن. فإن الإنسان إذا ما حفظ القرآن فقط دون أن يتفقه في معانيه كما هو حال الكثيرون من حفظته اليوم، فهو بهذا لا يستطيع أن يقضي به بين الناس. “فهو يقضي بها ويعلمها”، ولكن كان من يأخذ القرآن في عهد النبي ﷺ ويقال لهم: القراء هم علماء.
لأنهم لم يجاوزوا خمس آيات أو عشر آيات قبل أن يتعلموا كل ما فيها من العلم والعمل. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فهو الأعلم. وكان الرجل إذا ما وفقه الله لقراءة البقرة وآل عمران عظم أو جلَّ في أعينهم، أي يصبح له منزلة ومكانة عالية. وهذا يرجع إلى أن تلك السور تحتوي على الكثير من الأحكام، فهذا يعود إلى العلم. قال: ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورأس العلم القرآن. اقرأ أيضا: حديث من بلغ الاربعين وشره اكثر من خيره .
حديث لا حسد إلا في اثنتين
يمكننا أن نشرح حديث لا حسد إلا في اثنتين على النحو التالي:
- قوله ﷺ: لا حسد إلا في اثنتين، فالمراد بالحسد ها هنا هو الغبطة، وتعمم في المعنى فُعبر عنها بالحسد، وهذا يرجع إلى أن المعنى الذي تشترك فيه الغبطة والحسد أن كل واحد من الحاسد أو الغابط قد تمني النعمة، غير أن الحسد فيه الرغبة الشديدة في زوال النعمة من المحسود.
- ومن أنواعه -أيضًا- أن يرغب في اختفاء النعمة ولو لم تذهب له وهذا أبشع أنواع الحسد، كما أن الحسد حرام، وتعد الغبطة أمر لا مانع فيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم هنا يقول: لا حسد، أي: لا يوجد ما قد يُغبط عليه المرء إلا في اثنتين وخصلتين:
- الأولى: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، فالناس قد يحسدون غيرهم كثيرًا بسبب عرض من أعراض الدنيا الزائلة وما ناله البعض من إخوانهم، والنبي ﷺ في هذا الحديث الشريف قد دلل على أن ذلك مما لا ينبغي أن تهفو إليه النفوس فالشيء الذي يجب أن يُغبط عليه الإنسان هو من أوتي المال فسلطه على هلكته في الحق، يعني: في مواطن البر والمعروف والنفقة في سبيل الله تعالى، عكس الذي قد سلط هلكته في الفساد أو الإسراف.
مرشح لك: لا تأكلوا الطعام وتناموا عليه فتقسوا قلوبكم
صحة حديث لا حسد إلا في اثنتين
وفيما يتعلق بـ صحة حديث لا حسد إلا في اثنتين يجدر بنا الإشارة إلى أنه حديث صحيح، فقد رواه الشيخان في صحيحيهما، وغيرهما من المحدثين.
والحسد نوعان:
- نوع مذموم يحذر على المرء الوقوع فيه، وهو أن يتمنى زوال النعمة عن غيره ولو لم تحصل له وتأتي إليه. وهذا هو الذي أمرنا الله بالاستعاذة منه في قوله: ومن شر حاسد إذا حسد، وكذلك نهانا عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «لَا تَحَاسَدُوا، ولَا تَنَاجَشُوا، ولَا تَبَاغَضُوا، ولَا تَدَابَرُوا، ولَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، ولَا يَخْذُلُهُ، ولَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا -ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، ومَالُهُ، وعِرْضُهُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
- والنوع الثاني نوع محمود، ألا وهو الغبطة؛ وهي التي تدفع المرء إلى تطوير نفسه ليحقق ما حققه غيره من نجاحات دون أن يتمنى في قرارة نفسه زوالها عن غيره.
حديث الرسول عن الحسد
من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحسد ما يلي:
- ما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما. عن النبي صلى الله عليه وسلم: “الْعَيْنُ حَقٌّ، ولو كانَ شيءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا”. وعلق النووي على الحديث في شرحه قائلًا أن معنى الحديث أن كل الأشياء بقدر الله تعالى ولا تقع إلا حسب ما قدرها وسبق بها علمه. فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله.
- روى ابن حبان في صحيحه قصة سهل بن حنيف. حيث كان يغتسل ذات يوم فرآه عامر بن ربيعة وكان سهل بن حنيف أبيضًا حسن الجلد. فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، فمرض عامر بن ربيعة واشتد مرضه فجاء إلى الرسول ليخبره بما حدث، فقال: ” علامَ يقتُلُ أحدُكم أخاه ألَا برَّكْتَ إنَّ العينَ حقٌّ توضَّأْ له”.
- وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “العينُ حقٌّ تُدخِلُ الجملَ القِدرَ والرَّجلَ القبرَ”.
وإلى هنا نكتفي بهذا القدر قراءنا الكرام حتى نختم مقالنا لليوم والذي كان بعنوان لا حسد إلا في اثنتين. وقد ذكرنا لكم بشيء من التفصيل أنواع الحسد وكذلك المذموم منه والمحمود. كما سلطنا الضوء أيضًا على بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي عالجت قضية الحسد، وغيرها من الأمور المتعلقة بهذا الموضوع.
اقرأ أيضا:
- قصه قصيره عن الاخلاق والفضائل
- سؤال وجواب عن الصدق
- أفضل اذاعة مدرسية
- صحة حديث الجنة تحت اقدام الامهات