إن الصدق مع الله من أعظم أنواع الصدق وأجلها، بل إن الصادق مع الله تُسخر له الدنيا بحذافيرها. ويكتب له من الخير والبركة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. واليوم من خلال موقع دعاء المسلم سنقدم لكم مقال اليوم لنبين فضل الصدق مع الله وثماره باذن الله.
الصدق مع الله
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة. وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا). (1)
فمن منا لا يريد أن يكتب اسمه عند الله فلان الصادق؟ أي منزلة هذه وأي تفضيل ذاك؟
وانطلاقًا من أهمية صفة الصدق عامة ومع الله خاصة، سنجند سطور مقالنا هذا لتتحدث عن الصدق مع الله وأهميته.
أقوال السلف في الصدق مع الله
تحدث الكثير من السلف الصالح عن الصدق ونسجت ألسنتهم الكثير من الأقوال عنه، ومن هذه الأقوال ما يلي:
- قال ابن عباس رضي الله عنهما: أربع من كن فيه فقد ربح: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر.
- قال يوسف بن أسباط: للصادق ثلاث خصال: الحلاوة، والملاحة، والمهابة.
- قال مالك بن أنس: قلّما كان رجل صادقاً لا يكذب، إلا مُتع بعقله، ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم، والخرف.
- قال أبو زرعة: قلت لأحمد بن حنبل: كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق ؟ فقال: لو وُضِع الصدقُ على جرح لبرئ.
- قال الفضيل بن عياض: ما تزين الناس بشيء أفضل من الصدق، والله عز وجل يسأل الصادقين عن صدقهم، منهم عيسي بن مريم عليه السلام، كيف بالكذابين المساكين، ثم بكى.
- وقال: من عامل الله عز وجل بالصدق أورثه الله عز وجل الحكمة.
- قال سلمة بن دينار: أعدل العدل: كلمة صدق عند من ترجوه وتخافه.
- قال الإمام النووي رحمه الله: الصدق….وإن كان فيه مشقة، فإن عاقبته خير، والصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة.
- قال الإمام ابن حبان رحمه الله: الصدق يُنجي.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الصدق مفتاح لكل خير.
Ù Ø±Ø´Ø ÙÙ: Ùصص ٠٠اÙسÙ٠اÙصاÙØ Ø¹Ù Ø§ÙصدÙ
قصص عن الصدق مع الله
القصة الأولى:
كان هناك ملك فاحش الثراء أراد أن يبني مسجدًا باسمه حتى يتحاكى الناس به وبمسجده، وبالفعل دفع مبلغًا هائلًا وبدأ العمال في بناء المسجد.
لكن الغريب في الأمر أن هذا الملك كان يرى في منامه أن المسجد مكتوب باسم سيدة ما لا يعرفها لكن المهم أنه ليس باسمه!
تجاهل الأمر في البداية لكن الحلم تكرر مرارًا وتكرارًا حتى قرر أن يبحث ويرى من تلك المرأة، وبالفعل وجدها وإذا بها سيدة مسنة قد خط الشيب خطوطه على ملامحها، فأتى بها وقص عليها الحلم وطلب منها أن تخبره ما الذي فعلته جعلها تستحق أن يكتب المسجد باسمها هي في السماء وليس اسمها.
أخذت المرأة وقتًا في التفكير ثم قالت:
- والله لا أذكر أني فعلت شيئًا سوى أنني سقيت الدابة التي تحمل الحجارة المستخدمة في البناء.
هنا بكى الملك وقال:
- صحيح أن فعلك صغير لكن لصدقك مع الله كتب لكِ بأجر بناء المسجد كله.
القصة الثانية
تحكي امرأة قائلة:
كنت عائدة للمنزل ذات يوم ولا يوجد في حقيبتي سوى خمسة جنيهات، ولم أكن أعرف كيف سأشترى لصغاري الطعام، وأنا في حيرتي تلك رأيت طفلًا صغيرًا يتلوى من الجوع ويبكي وحيدًا، فما كان مني سوى أن أخرجت الخمسة جنيهات وناولتها له بلا أدنى تردد.
وفي طريق عودتي مررت بجانب مخبز وقد أخرج بعض الفطائر الساخنة، اشتهيتها لي ولصغاري لكن من أين وآخر ما أملك قد تصدق به، فتحت حقيبتي بخيبة أمل وأنا أنتظر معجزة تجعلني أرى بها أي مال، وكانت المفاجأة وجدت مبلغًا من المال بالفعل ولا أدري حتى الآن كيف حدث هذا!
لكنه الصدق مع الله!
Ù Ø±Ø´Ø ÙÙ: Ùصص ع٠اÙسع٠ÙÙ Ø·Ùب اÙرز٠Ùصص
الصدق مع الله في التوبة
قد يتساءل البعض عن كيفية الصدق مع الله في التوبة، خصوصًا وأننا جميعًا بلا استثناء نذنب ونرتكب المعاصي ثم نندم ونتوب إلى الله، فكيف نعلم هل نحن صادقين في توبتنا أم لا؟
نجيب وبالله التوفيق أن لصدق التوبة مع الله علامات نذكرها لكم على النحو التالي:
الإقلاع الحقيقي عن الذنب، والأخذ بالاسباب والبدء في عمل الطاعات، فهذا دليل على صدق القلب وانتفاضه وإحساسه بالإثم، ورغبته الصادقة في التوبة .
العزم على تدارك ما فات، والتركيز على إصلاح ما هو آت، فإن كان في الماضي تقصير في تأدية أي عبادة، أو تهاون وتفريط في ارتكاب خطيئة تثقل القلب وتحزنه، فهو دليل على عظم مكانة الله في قلبه وشدة خوفه منه، ورجائه إياه، وطمعه فيما عنده .
شعوره أن الأرض قد ضاقت عليه مثلما ضاقت على كعب بن مالك وصاحبيه؛ فيتمكن منه الحزن والبكاء، ويبتعد عن اللهو والضحك.
أن تصبح حالته بعد التوبة أفضل مما كان عليه قبلها؛ فلقد قال الله تعالى : “فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” [البقرة: 37] .
عدم آمنه لمكر الله طرفة عين؛ قال تعالى : “وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ”، فيرافقه الخوف والخشية طوال حياته، ويستمر على ذلك حتى يسمع صوت ملك الموت وهو يقبض روحه : “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ”.
أن يحزن ويتألم ويندم على ما بدر منه، ويخشى من سوء عاقبته .
أن يضع نصب عينيه دائمًا قرب لقاء ربه، وينتظر في كل لحظة ووقت نزول ملك الموت لقبض روحه، فهو أقرب إليه من شراك نعله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك». (رواه البخاري) .
ومن أعظم علامات الصدق في التوبة : حب الله ورسوله حب المؤمنين فيه وأن يأتي من العمل بما توجيه هذه المحبة.
اÙرأ Ø£Ùضا: Ùصت٠٠ع ÙÙا٠اÙÙÙÙ ÙاÙزÙاج
أحاديث عن الصدق مع الله
لقد ورد في السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تتناول الصدق عمومًا ومع الله خصوصًا، ومن هذه الأحاديث ما يلي:
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدَّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم). (2)
- وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم أيضًا: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة). (3)
- إن للصدق منزلة عظيمة في النفوس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أربع إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك في الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة). (4
- وفي حديث آخر: (البَيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما). (5)
- وفي حديث آخر قال-: (أحب الحديث إليَّ أصدقه). (6)
Ù Ø±Ø´Ø ÙÙ: Ùصص ع٠اÙاستغÙار
ثمرات الصدق مع الله
بعدما سلطنا الضوء على الصدق ومنزلته العظيمة، من البديهي أن نتطرق إلى ثماراته التي يجنيها صاحبه، ولكن بادئ ذي بدء يمكننا القول إن ثمرات الصدق تنقسم لقسمين، قسم دنيوي وقسم أخروي.
فيما يخص القسم الآخروي فثماره ما يلي:
- يكتب مع الصدّيقين حيث وعد الله -عزَّ وجل- الصّادقين في كل ما يصدر منهم من قول أو فعل، أن يكتبوا مع الصّدّيقين، وهي منزلة عالية.
- البراءة من النفاق وأهله:
فإنّ الصّدق هو العلامة التي تفصل بين الإيمان والنفاق، والكذب علامة ملازمة للمنافقين، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ).
وفيما يخص ثمار الصدق في الدنيا فهي ما يلي:
- عزة في النفس:
يكسب الصّدق صاحبه عزة النفس، وعلوًّا في المنزلة والمكانة، وعلى النقيض فالكذب يكسب صاحبه صفة الذّل والخزي، وتجده مهاناً محقراً بين الناس.
- كسب ثقة الآخرين التي تأتي نتيجة صدقه فيحبه الناس ويثقون به، وذلك بسبب أنهم قد اعتادوا على صدور الصّدق منه في كلامه وأقواله، فيحبّه الآخرون ويتمنون التقرب منه، هذا وتعتبر شهادته عند القضاء مقبولة لما يشتهر به، بينما يبتعد النّاس عن من اعتادوا منه االكذب في كلامه، ولا يحصل على ثتقهم وأمنهم له.
- للنجاة من المشاكل:
قد يلجأ البعض في الأغلب للكذب حتى يهربون من المشاكل والورطات، ولكنهم على عكس توقعهم، يجدون أنفسهم يقعون في مشاكل أكبر نتيجة عدم صدقهم، ولو أنهم صدقوا لنجوا من ذلك بكل تأكيد.
وإلى هنا قراءنا الأعزاء نكون قد وصلنا معًا لختام مقالنا الذي كان بعنوان الصدق مع الله، لما له من أهمية كبرى أخروية ودنيوية كما ذكرنا، ونتمنى أن يكون المقال قد نال على رضاكم ولاقى استحسانًا منكم.
اÙرأ Ø£Ùضا: Ùصص ٠ؤثرة ع٠أخÙا٠اÙرسÙÙ
المراجع:
(1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وما يُنهى عن الكذب (5/ 2261)، رقم: (5743)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله (4/ 2012)، رقم: (2607).
(2) رواه أحمد (5/323) (22809)، وابن حبان (1/506)، والحاكم (4/399). وصحح إسناده الحاكم، وقال الذهبي في ((المهذب)) (5/2451): إسناده صالح.
(3) أخرجه الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ (4/ 668)، رقم: (2518)، والنسائي، كتاب الأشربة، باب الحث على ترك الشبهات (8/ 327)، رقم: (5711).
(4) الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب | الصفحة أو الرقم : 3/16 | خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن | التخريج : أخرجه أحمد (6652)، وابن وهب في ((الجامع)) (546).
(5) الراوي : حكيم بن حزام | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 1532 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | التخريج : أخرجه البخاري(2079 )،ومسلم(1532).
(6) الراوي : المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 2539 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
اقرأ المزيد:
One Comment